سورة البقرة - تفسير تفسير التستري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (البقرة)


        


{يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (40) وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (41) وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (42)}
وسئل عن قوله: {وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} [40] ما هذه الرهبة التي أمرهم بها؟ فقال: أراد موضع نور النفس من بصر القلب والمعرفة من كلية القلب، لأن المكابدة والمجاهدة في الإيمان، فإذا سكن القلب من التقوى إلى الغير انكشف نور اليقين، ووصل العبد ساكنا بالإيمان للّه توحيدا على تمكين. أعني سكون قلبه إلى مولاه، فصار نور اليقين يكشف عن علم اليقين، وهو الوصول إلى اللّه تعالى، فلا ذلك اليقين بنور اليقين إلى عين اليقين ولا مخلوق، لأنه نور من نور ذات الحق، لا بمعنى الحلول، ولا بمعنى الجمع، ولا بمعنى الاتصال، ولكن معنى اتصال العبد بمولاه من موضع توحيده وطاعته باللّه ورسوله، فعلى قدر قوته من البصر باللّه يدرك التقوى للّه والرهبة إياه. وأصل التقوى: مباينة النفس، فيباينها في ذلك، ولا يساكنها شيئا من ملاذ هواها، ولا ما تدعوه إليه من حظوظها التي لم تتعذر فيها. اعلم أن الناس يتفاضلون في القيامة على قدر نور يقينهم، فمن كان أوزن يقينا كان أثقل ميزانا، وكان من دونه في ميزانه. قيل: بم تعرف صحة يقين العبد؟ قال: بقوة ثقته باللّه تعالى، وحسن ظنه به، فالثقة باللّه مشاهدة باليقين، وعين اليقين وكليته وكماله ونهايته الوصول إلى اللّه عزّ وجلّ.
فقيل له: ما معنى قوله: {وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ} [41] قال : أراد بذلك موضع علمه السابق فيهم، أي لا تأمنوا المكر والاستدراج، فتسكن قلوبكم إلى ملاحظة سلامتكم في الدنيا مع الإقامة على التقصير، وإلى حلمي عنكم في المعاجلة لكم في نفس أمنكم واغتراركم وغفلتكم فتهلكوا. وقال النبي صلّى اللّه عليه وسلّم «لو زاد في اليقين عيسى بن مريم لمشى على الهواء كما مشى على الماء»، وقد مشى نبينا محمد صلّى اللّه عليه وسلّم ليلة الإسراء على الهواء لقوة نور يقينه التي أعطاه اللّه تعالى من نوره زيادة نور إلى نور كان من اللّه تعالى. وقوله صلّى اللّه عليه وسلّم: «لو ثبتت المعرفة على قلب داود صلوات اللّه عليه ولم يغفل ما عصى» فلعمري أن المعرفة أدرجت في أوطانها لتجري عليه ما كان من علم اللّه سابقا فيه، فلا بد من إظهاره على أوصافه إذا كان على حتم لا يتغير العلم إلى غير ما علم العالم جل وعز، فإنما ستر اللّه عزّ وجلّ في أوطان داود صلوات اللّه عليه نور اليقين الذي به يبصر عين اليقين وكليته، ليتم حكم اللّه تعالى فيه، ألا ترى أن العبد إنما ينظر إلى الحق بسبب لطيفة من الحق بوصولها إلى قلبه هي من أوصاف ذات ربه ليست بمكونة ولا مخلوقة ولا موصولة ولا مقطوعة، وهي سر من سر إلى سر وغيب من غيب إلى غيب، فباللّه اليقين، والعبد موقن بسبب منه إليه على قدر ما قسم اللّه له من الموهبة وجملة سويداء قلبه. وللإيمان وطنان، وهو ما سكن فلم يخرج، ونور اليقين خطرات، فإذا سكن واستقر صار إيمانا، واليقين خطرات بعده، فهو في المريد هكذا حاله أبدا.
وسئل عن قوله: {وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ} [42] الآية، فقال: أي لا تلبسوا بأمر الدنيا أمر الآخرة. وأراد لا يحل لأهل الحق كتمان الحق عن أهله خاصة، عمن يرجون هدايته إلى اللّه عزّ وجلّ، فأما أهله فإنهم يزدادون بصيرة به، وأما من كان من غير خاصة أهله فإن قول الحق لهم هداية وإرشاد إلى اللّه تعالى.


{وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخاشِعِينَ (45)}
وسئل عن قوله: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ} [45] الآية، فقال: الصبر هاهنا الصوم والصلاة وصلة المعرفة، فمن صحت له الصلاة، وهي الوصلة، لم يبق له على اللّه تهمة، إذ السؤال تهمة، ولا يبقى السؤال مع الوصلة، ألا ترى إلى قوله: {وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ} [45].


{وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (48)}
وسئل عن قوله: {وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ} [48] أي لو جاءت بكل شيء من الأعمال من كبير أو صغير أو كثير أو قليل لم يتقبل ذلك منها، ولا شيء منه عند حصولهم في القيامة، والعدل: المثل، ألا ترى إلى قوله: {أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً} [المائدة: 95] أي مثله وجزاءه.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8